أكتبُ باحثاً عن ذاتي
عن محبرتي ودواتي
يراعٌ ما استكانَ يوماً
ولاعرفَ حلاوةَ العيشِ
قلمي ماقصّر يوماً بسردِ
حكاياتي
أكتبُ لأنَّ التفاصيلَ كثيرة
ولا طاقة لي للثرثرةِ والمناقشات
لساني قصيرُ حالٍ ويدي مكتوفةٌ
ولا طاقة لي على الزمن والوعكات
أكتب على ورقٍ أسود
لئلّا أرى طلاسم حبري تشطبُ
السوادَ من حياتي
فأنا بطبعي كثيرُ النسيانِ
ولا أريد أن أنسى
كأس الشاي بيدي وأطلب
كأساً آخر
ويضحك نادل المقهى ويحضر لي
المحبرة
اشربْ من كأس الحنين واكتبْ
عن الحب، عن الأنس
عن الليالي الموحشة
اكتبْ لأنّ الخطبَ كبيرٌ
لأنه عيل صبري وبمن استجير
اكتبْ عن أمجاد أسلافي عن الحبّ
عن النٌصر والتحرير.
قالها نادلُ المقهى : وأنا ألملمُ خيبتي
ماذا أقول له ؟وهل بتاريخنا الحديثُ
مايرفعُ الجبين ويملأُ أوراقي؟
وأنظرُ من النافذة المغشّاة بأنفاسنا
المحترقة
وإذ أرى نقيعاً وبيارقاً
أرى العزّ بجحافلِ الخيولِ
تمحقُ عن أمتنا الذلَّ
تسوقُ النّور بسيوفها تقشعُ الظلام
تمسح عن أمتنا حروف العلّة
أرى الخليج ينثرُ الدفءَ بقلب
الشتاء القاسي
أرى الرافدين يسقي حقول الصّومال
ونأكلُ الخبزَ بالمغربِ
أرى الشّام تزرعُ الزيتونَ بجيبوتي
وتشعل فتيل الحب بسوداني
ونجتمع من الغرب إلى الشرق
من الجنوب إلى الشمال في منارتنا
ونحجّ ضيوف الرّحمن
في بيت الله وقبلتنا
نصلّي الفجرَ جمعاً بشامِنا
إلى القدس ننوي العشاء
إلى الأقصى وجهتنا
وقبل أن نصلَ مبتغانا
أصحو ويدٌ سوداءُ تتغلغلُ توقفُنا
وتستبيحُ الأحلامَ...
إنّه نادل المقهى...
يمسح الغشاوة عن النافذة
يمسح بيده أحلام الطّفل بداخلي
يستبيحُ بيديه أحلامَ أمةٍ بأكملها
اتركني أرجوك
اتركِ النافذةَ ،فيها أحلامي
اتركني رجلاً واحداً بجسدٍ واحدٍ
اتركِ النافذة!! ألا تبّت يداك
ويعبث بحدودي ويعيدني
اثنين وعشرين رجلاً من جديد
يعيدني إلى واقعي
إلى شتاتي، إلى حدودي وأسلاكي
ويصيح النادلُ: أحضروا له كأساً آخر
من الشاي
وأكتبُ من جديدٍ باحثاً عن ذاتي
عن محبرتي ودواتي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق