تجثو على ركبتيها بالقرب من ذاك الجسد النحيل المنقوع بحبر العروق و في يدها مطهرا و رباط و حقنة كبيرة المقاس ... تطالعه يبتسم و يتكبر على ألمه وحين تطالع فخده يتسابق القطن كرة خلف كرة وهو يصطف حول جرحه الذي بات يشبه الجدع المقطوع بمنشار صدأ....قال بعفوية أنه الثلاثة والعشرين...رمقته قائلة
أهذا عمرك....ضحك لسؤالها قائلا ...قلت هذه طلقة تسمى ثلاثة وعشرين هي من اخترقت فخدي....اما عمري فلم يتجاوز العشرون ربيعا.....بإبتسامة صفراء قالت بطول عمرك مازلت صغيرا وفي عقلها مئات الحكايا....عشرون ربيعا حين جمعت على ربيع العرب صارت خريفا و ليست خريفا وحسب إنما خريفا يلفظ أنفاسه....قطع بوحها لنفسها بقوله ...اريد بعض راحة اي مسكن أو مخدر ...وجهه مصغر كورقة غاب عنها الماء زمنا وصبره ماعرفت له سبيل ....كلما غلبتها دمعة قال لا عليك سننتصر....ياااااالله وهو غارق بدمه ولم يبقى بعروقه شيء يحاول جاهدا أن ينشر الطمأنينة بقلوب من حوله من الجرحى .....
جسد نحيل انهكه الجري والقفز و الرحيل من مكان لآخر حيث الحرب ....و هي تضيف محلولا آخر و تراه يتلاشى و يستسلم للراحة التى كان ينشدها ....تلك التى على خلاف البشر تطاردهم و هو كان يطاردها حيث حلت ...و في لحظات السمو للروح و تحضرها للأرتقاء قال هل تحملين وصية لأمي التى لم تراني منذ فترة ....قالت بكل حب وفخر ....وحينها قال فقط ابلغيها ان تزغرد حين يصلها نبأ موتي ....كان متأكدا انه مغادر وحيدا دون وداع ....اغمض عينيه و حاولت انعاش قلبه لكنه كان في ضيافة السماء التى لا ترد .....رحل مبتسما و فخده يتدلى مقطوعا و على محياه جبين بريء...طفل سعيد بأفعال الرجال كسعادته بلعبة جديدة ....رحل بهدوء في غفلة الزحام و تمدد ساكنا في ركن المكان بجوار رفقته و تمدد في جوفها صراخ و نحيب ما استطاعت احتجازه ....صرخت خلفهم وهم راحلون ل ..اللحود.....الله .....أيها الراحلون وانتم مقبلون....الأخضر يليق بكم .

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق